- مهندسة ريهامعضو متميز
- عدد المساهمات : 340
تاريخ التسجيل : 26/12/2012
اجعل من عاداتك الحسنة حافزا لهمتك
الأربعاء 2 يناير 2013 - 22:40
(اجعل من عاداتك الحسنة حافزا لهمتك)
بقلم
د/ حمادة عبد الإله حامد
جاءت عليَ فترة من حياتي ، حرصت فيها على عادة يومية إذ كنت أستيقظ قبل الفجر ، فأتوضأ وأقرأ بعض آيات من القرآن ثم أذهب للصلاة ، وبعدها أتريض بالمشي مدة خمسة كيلو مترات ، ثم أعود للبيت فأقرأ في الثقافة العامة ، وبعدها أذهب لعملي ، كنت أحس براحة غير عادية ، كأن لي وجودا فوق الدنيا ، لاتصل إليه الدنيا بسعادتها وشقاوتها وفقرها وغناها ، وكنت أحس أن هذا جزء من حياتي يصعب عليَ التخلي عنه .
وأذكر عندما كنا طلابا في الجامعة سكنت مع صديق عزيزعلي، ربطت بيني وبينه آصرة العلم ،كانت له طقوس ثابتة لايحيد عنها في حياته، في تنظيم كتبه ووقت مذاكرته، كان بعد الفراغ من ذلك كله، يجلس مع نفسه آخر اليوم في ساعة محددة يقرأ فيها أجزاء ثلاثة من القرآن لا يحيد عنها، ولاينقصها ، ثم يرفع سجادة صلاته ويعود أدراجه حيث يخلد لنومه هانئا سعيدا، كنت أراه هادئ النفس مطمئن السريرة قرير الضمير ، باسم الثغر مشرق المحيا .
وفي مرة سألني أحد من كان يود حفظ القرآن عن كيفية المواظبةعلى الحفظ؛ فقلت له : اجعل لنفسك وقتا محددا وطقوسا معينة لاتحيدعنها : فكان يستيقظ كل ليلة قبل الفجر يحفظ وجها من المصحف، ثم يكمل آخر بعد الفجر حتى أتم جزءا كبيرا من القرآن
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي
من وصل غانية وطيب عناق
وصرير أقلامي على أوراقها
أحلى من الدوكاء والعشاق
أأبيتُ سهرانا لدجى وتبيتَ هنومًا
وتريد بعد ذاك لحاقي؟
إن ممارسة عادة حسنة تحبها يوميا والحفاظ عليها يعطيك المتعة على المدى البعيد، فسعادة الإنسان وشقاوته تنبع من نفسه وحدها : قد أفلح من تزكى ... وكل شخص يسير وفق خصائصه النفسية وعادته كما يسير القطار على قضبانه ... كان لاعب السلة العظيم ( جاكت ويمان ) يبكِّر قبل اللعب يوميا فيرمي مائتي رمية على السلة، لابد من مائتين، حتى لو شعر بعد عشرين رمية أنه استعد، كان يصمم أن يكملها المائتين
وذُكر عن (فريد نايب) وهو كاتب كبير حائز على جائزة ايمي الأمريكية أنه كان متعودا أن يقود سيارته ويدور بها حول صحراء منتكسون عندما يعد نفسه لمشروع ضخم سيقوم به، لأن القيادة تعطي الجانب الأيسر من المخ المتسم بالمنطق والقلق شيئا ما يفعله، بحيث يصبح الجانب الأيمن المختص باقتراح الأفكار حرا في ممارسة مهامه دون مراقبة من الجانب الأيسر من المخ، تماما كما يفعل الواحد منا حين يعطي ولده لعبه يلهيه بها، حتى يتمكن الوالد من قراءة شيء مايهمه.
مارس شيئا ما في حياتك وحافظ عليه، كرياضة المشي مثلا، أو قراءة في كتاب قبل نومك أو الجلوس مع عائلتك تجمعهم كل أسبوع ... كن فنانا في كل شيء تفعله، واحترم تلك العادة وجدد نيتك فيها، فإن ذلك سيمنحك حافزا نفسياعاليا وثقة كبيرة وموجات كيميائية حيوية من التحفيز والطاقة . .
ألزم نفسك بعادة حسنة ؛ فهي تعد حافزا لهمتك ودافعا لنهوضك ، بل هي أقرب الطرق للوصول إلى التحفيز الذاتي ، هكذا أشار (ستيفن) في كتابه مائة طريقة لتحفيز نفسك ، ولاعجب في ذلك ولادهشة فيه ، فكلما قرأت في سيرة عظيم من العظماء وجدته قد وضع لنفسه وردا بطقوس معينة يحافظ عليه ، ولايحيد عنها ، وهذا يدفع النفس للتعود على الأمر ، بل إن فعل شيء ما بدقة وانتظام يقودك إلى حب العمل فتألفه وتألف غيره ، فتنخرط فيه قبل أن تفكر ، فتقوى إرادتك ، كما يسحق بداخلك التردد ؛ فتشعر بالراحة والطمأنينة.
فهذا ابن تيمية الملقب بشيخ الإسلام الذي حبس في سجن القلعة في مصرسنة ونصفا ثم في الإسكندرية ثمانية أشهر، ثم في سجن قلعة دمشق حتى مات فيه، وألف أعظم مؤلفاته وهوفي سجنه وكان يصف وحدته في سجنه بأنه خلوة تسعد بها نفسه... كان يجلس يوميا بعد صلاة الفجر لايحدث أحدا حتى تشرق الشمس ، ويملأ نورها الآفاق... يجلس فيذكر الله ويسبحه بصوت يسمعه القريب منه، كما ورد في كتاب الأعلام العلية ، وكان يقول : هذا غدوتي لو لم أفعلها لما استطعت إكمال بقية يومي ، لقد منحته هذا العادة المتكررة والورد اليومي طاقة نفسية عالية؛ وهمة تناطح السحاب ، وعلية منزلة كأنه على جناح نسر طائر في مسبحه للنجوم ؛ فتحمل الصعاب ، واستعذب المشاق ... وهذا شيخنا الشعراوي رحمه الله ، كان يخلو بنفسه ؛ فيتلو أوراده لايحدث أحدا ولايسمح لأحد أن يقطع خلوته ، ففتح الله عليه من فيوضاته وأسبغ عليه من واسع فضله ، فسجل خواطره حول كتاب الله بصفاء ذهن وروعة بيان ، ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة حين كان يخلو بنفسه بغار حراء ، شهرا في السنة ، حتى نزلت عليه الرسالة :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم و
تأتي على قدر الكرام المكارم
وتكبر في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم .
وأخيرا كلل عاداتك بتجديد النية فيها لتصير من عادة لعبادة تنال بها ثواب الدنيا بتحفيز نفسك وشحنها وحسن ثواب الآخرة بنيل مرضاة الله.
بقلم
د/ حمادة عبد الإله حامد
جاءت عليَ فترة من حياتي ، حرصت فيها على عادة يومية إذ كنت أستيقظ قبل الفجر ، فأتوضأ وأقرأ بعض آيات من القرآن ثم أذهب للصلاة ، وبعدها أتريض بالمشي مدة خمسة كيلو مترات ، ثم أعود للبيت فأقرأ في الثقافة العامة ، وبعدها أذهب لعملي ، كنت أحس براحة غير عادية ، كأن لي وجودا فوق الدنيا ، لاتصل إليه الدنيا بسعادتها وشقاوتها وفقرها وغناها ، وكنت أحس أن هذا جزء من حياتي يصعب عليَ التخلي عنه .
وأذكر عندما كنا طلابا في الجامعة سكنت مع صديق عزيزعلي، ربطت بيني وبينه آصرة العلم ،كانت له طقوس ثابتة لايحيد عنها في حياته، في تنظيم كتبه ووقت مذاكرته، كان بعد الفراغ من ذلك كله، يجلس مع نفسه آخر اليوم في ساعة محددة يقرأ فيها أجزاء ثلاثة من القرآن لا يحيد عنها، ولاينقصها ، ثم يرفع سجادة صلاته ويعود أدراجه حيث يخلد لنومه هانئا سعيدا، كنت أراه هادئ النفس مطمئن السريرة قرير الضمير ، باسم الثغر مشرق المحيا .
وفي مرة سألني أحد من كان يود حفظ القرآن عن كيفية المواظبةعلى الحفظ؛ فقلت له : اجعل لنفسك وقتا محددا وطقوسا معينة لاتحيدعنها : فكان يستيقظ كل ليلة قبل الفجر يحفظ وجها من المصحف، ثم يكمل آخر بعد الفجر حتى أتم جزءا كبيرا من القرآن
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي
من وصل غانية وطيب عناق
وصرير أقلامي على أوراقها
أحلى من الدوكاء والعشاق
أأبيتُ سهرانا لدجى وتبيتَ هنومًا
وتريد بعد ذاك لحاقي؟
إن ممارسة عادة حسنة تحبها يوميا والحفاظ عليها يعطيك المتعة على المدى البعيد، فسعادة الإنسان وشقاوته تنبع من نفسه وحدها : قد أفلح من تزكى ... وكل شخص يسير وفق خصائصه النفسية وعادته كما يسير القطار على قضبانه ... كان لاعب السلة العظيم ( جاكت ويمان ) يبكِّر قبل اللعب يوميا فيرمي مائتي رمية على السلة، لابد من مائتين، حتى لو شعر بعد عشرين رمية أنه استعد، كان يصمم أن يكملها المائتين
وذُكر عن (فريد نايب) وهو كاتب كبير حائز على جائزة ايمي الأمريكية أنه كان متعودا أن يقود سيارته ويدور بها حول صحراء منتكسون عندما يعد نفسه لمشروع ضخم سيقوم به، لأن القيادة تعطي الجانب الأيسر من المخ المتسم بالمنطق والقلق شيئا ما يفعله، بحيث يصبح الجانب الأيمن المختص باقتراح الأفكار حرا في ممارسة مهامه دون مراقبة من الجانب الأيسر من المخ، تماما كما يفعل الواحد منا حين يعطي ولده لعبه يلهيه بها، حتى يتمكن الوالد من قراءة شيء مايهمه.
مارس شيئا ما في حياتك وحافظ عليه، كرياضة المشي مثلا، أو قراءة في كتاب قبل نومك أو الجلوس مع عائلتك تجمعهم كل أسبوع ... كن فنانا في كل شيء تفعله، واحترم تلك العادة وجدد نيتك فيها، فإن ذلك سيمنحك حافزا نفسياعاليا وثقة كبيرة وموجات كيميائية حيوية من التحفيز والطاقة . .
ألزم نفسك بعادة حسنة ؛ فهي تعد حافزا لهمتك ودافعا لنهوضك ، بل هي أقرب الطرق للوصول إلى التحفيز الذاتي ، هكذا أشار (ستيفن) في كتابه مائة طريقة لتحفيز نفسك ، ولاعجب في ذلك ولادهشة فيه ، فكلما قرأت في سيرة عظيم من العظماء وجدته قد وضع لنفسه وردا بطقوس معينة يحافظ عليه ، ولايحيد عنها ، وهذا يدفع النفس للتعود على الأمر ، بل إن فعل شيء ما بدقة وانتظام يقودك إلى حب العمل فتألفه وتألف غيره ، فتنخرط فيه قبل أن تفكر ، فتقوى إرادتك ، كما يسحق بداخلك التردد ؛ فتشعر بالراحة والطمأنينة.
فهذا ابن تيمية الملقب بشيخ الإسلام الذي حبس في سجن القلعة في مصرسنة ونصفا ثم في الإسكندرية ثمانية أشهر، ثم في سجن قلعة دمشق حتى مات فيه، وألف أعظم مؤلفاته وهوفي سجنه وكان يصف وحدته في سجنه بأنه خلوة تسعد بها نفسه... كان يجلس يوميا بعد صلاة الفجر لايحدث أحدا حتى تشرق الشمس ، ويملأ نورها الآفاق... يجلس فيذكر الله ويسبحه بصوت يسمعه القريب منه، كما ورد في كتاب الأعلام العلية ، وكان يقول : هذا غدوتي لو لم أفعلها لما استطعت إكمال بقية يومي ، لقد منحته هذا العادة المتكررة والورد اليومي طاقة نفسية عالية؛ وهمة تناطح السحاب ، وعلية منزلة كأنه على جناح نسر طائر في مسبحه للنجوم ؛ فتحمل الصعاب ، واستعذب المشاق ... وهذا شيخنا الشعراوي رحمه الله ، كان يخلو بنفسه ؛ فيتلو أوراده لايحدث أحدا ولايسمح لأحد أن يقطع خلوته ، ففتح الله عليه من فيوضاته وأسبغ عليه من واسع فضله ، فسجل خواطره حول كتاب الله بصفاء ذهن وروعة بيان ، ولنا في نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة حين كان يخلو بنفسه بغار حراء ، شهرا في السنة ، حتى نزلت عليه الرسالة :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم و
تأتي على قدر الكرام المكارم
وتكبر في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم .
وأخيرا كلل عاداتك بتجديد النية فيها لتصير من عادة لعبادة تنال بها ثواب الدنيا بتحفيز نفسك وشحنها وحسن ثواب الآخرة بنيل مرضاة الله.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى